
عقد مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، عضو كليّة الدراسات الإسلامية في قطر بجامعة حمد بن خليفة، ندوة بعنوان "الهجرة: الإسلام وحقوق الإنسان " في الفترة من 12 إلى 14 سبتمبر 2015.
وكان الهدف من الندوة تناول الأسئلة التالية:
السؤال الأول: ما هي المقاربة العلمية في التعاطي مع المبادئ الإسلامية الخاصة بالهجرة، وكيف يمكن تقييم هذه المبدائ؟
قضايا فرعية:
1. الدروس المستفادة من هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهل هي هجرة أم هروب من واقع ما؟
2. الرؤية الإسلامية في التعامل مع موضوع العبودية، وتجليات هذا التعامل مع الفروقات بين الجنسين.
3. التدرج في العلاقات الاجتماعية والوظيفية من منظور إسلامي.
4. المبادئ الإسلامية الخاصة بالتعامل مع "الزائرين" (بما في ذلك التعامل مع قضايا الجنسين).
السؤال الثاني: ما هي التوجهات والممارسات الإسلامية الحالية بخصوص التعامل مع المهاجرين في العالم العربي، وما هي أكثر القضايا الملحّة التي يتعين تناولها من حيث الإصلاح العلمي والعملي على حد سواء؟
قضايا فرعية:
1. فهم وتقييم الممارسات المعاصرة في التعامل مع العمالة المهاجرة في البلدان العربية من منظور التراث الإسلامي.
2. نظرًا للانتقادات الحالية لأوضاع العمالة المهاجرة والتعامل معها في دول الخليج، هل يمكن اعتبار ذلك أحد أوجه الاستمرارية بين العبودية التي عُرفت في بداية العصر الإسلامي وما يطلق عليه "العبودية الحديثة"؟
3. استيعاب ومراعاة الفروقات بين الجنسين فيما يخص العمالة المهاجرة في البلدان العربية.
4. كيف تعامل علماء المسلمين مع قضية هجرة العمالة من البلدان ذات الأغلبية المسلمة وإليها منذ عام 1975؟
5. ما هي المبادئ المُحَدِّدة للهجرة في الإسلام، وكيف فُسِّرت هذه المبادئ وطُبِّقت على مدار العقود الخمسة الماضية في دول الخليج؟ وكيف نوفِّق (أو لا نوفِّق) بين المبادئ الإسلامية لمعاملة "الزوار" و"العمال الوافدين"؟
6. ما هي مُحَدِّدَات إصلاح قوانين العمالة المهاجرة وممارساتها بحيث تصبح متوافقة مع الاتفاقيات الدولية للعمل وحقوق الإنسان – وما هي المبادئ أو المسوّغات المنطقية لهذه المُحَدِّدَات؟
وقد ضمّت قائمة المدعوين للحديث في هذه الندوة: الأستاذ الدكتور الشيخ علي محيي الدين القره داغي، أستاذ الفقه والأصول في جامعة قطر والأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؛ والأستاذ الدكتور الشيخ محمد مصطفى الزحيلي، أستاذ الدراسات العليا في جامعة الشارقة؛ والأستاذ الدكتور الشيخ عبد الله إبراهيم زيد الكيلاني، أستاذ أصول الفقه وعضو هيئة التدريس في جامعة الأردن؛ والأستاذ الدكتور الشيخ عبد السلام بلاجي، رئيس الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي وعضو البرلمان المغربي؛ والدكتورة أماني الجاك، الأستاذ المعاون ومنسق بحوث القضايا الاجتماعية في مركز الدراسات الخليجية بجامعة قطر؛ والدكتورة زهرة بابار، المدير المشارك للأبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية بجامعة جورجتاون في قطر؛ والأستاذ الدكتور جواد سيد، أستاذ السلوك التنظيمي وإدارة التنوع في كليّة إدارة الأعمال بجامعة هادرسفيلد بالمملكة المتحدة؛ والدكتورة لطيفة رضا، الأستاذ المساعد للفلسفة السياسية بالجامعة اللبنانية الأمريكية واستشاري بحوث في منظمة العمل الدولية بالعاصمة اللبنانية بيروت؛ والدكتور عبد الغفار موغال، أخصائي الاقتصاد السياسي والأستاذ المساعد للبحوث في مركز العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر؛ والدكتور العربي صديقي، أستاذ السياسة في مركز العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة قطر (لم يستطع الدكتور صديقي الحضور، ولكنه شارك في إعداد بحث قدّمه الدكتور موغال). وأدار الندوة الأستاذ الدكتور راي جريدني، أستاذ أخلاقيات الهجرة وحقوق الإنسان بمركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق.
رحّب الأستاذ الدكتور طارق رمضان، مدير المركز، وشوقي الأزهر، نائب مدير المركز، بالضيوف وافتتحا الندوة. وكان طاقم عمل المركز وأعضاء هيئة التدريس ضمن الحضور.
وأقيمت كذلك محاضرة مفتوحة على هامش الندوة تحت عنوان "الإصلاح الضروري لأوضاع العمالة المهاجرة: الأخلاق الإسلامية وحقوق الإنسان أو اقتصاد السوق؟" بتاريخ 13 سبتمبر من السابعة إلى التاسعة مساء. ضمّت حلقة النقاش الأستاذ الدكتور الشيخ علي محيي الدين القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؛ والأستاذ الدكتور جواد سيد، أستاذ السلوك التنظيمي وإدارة التنوع في جامعة هادرسفيلد بالمملكة المتحدة؛ والسيد جابر الحويل، مدير إدارة الشؤون القانونية باللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر؛ والدكتورة لطيفة رضا، استشاري بحوث في منظمة العمل الدولية بلبنان. وأدار حلقة النقاش الأستاذ الدكتور راي جريدني، أستاذ أخلاقيات الهجرة وحقوق الإنسان بمركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق.
في اليوم الأول، قدّم الأستاذ الدكتور الشيخ الزحيلي بحثه، حيث بدأه بتناول مفهوم الهجرة حسب اشتقاقها، وهي من الفعل هاجر هجرًا، أي أصبح بعيدًا عن شيء، وأشار إلى فكرة مفادها أن الهجرة في الإسلام قد تكون جسدية وأخلاقية في آنٍ واحد. وعلى سبيل المثال، يشار إلى الفعل الأصلي للهجرة الجسدية على أنه هجرة الرسول وأتباعه من مكة إلى المدينة. والهجرة من حيث كونها هجرة أخلاقية هي التخلي عن الشخصية الشريرة وارتكاب المعاصي، خاصة عبر اعتناق الإسلام. وأوضح أنه يجب تمكين المهاجرين واللاجئين المسلمين من دخول الدول ذات الأغلبية المسلمة بحريّة وتمتعهم بحقوق الجنسية، وإن كان ذلك لا يحدث دائمًا عند التطبيق. وعلاوة على ذلك، فإن المسلمين ملزمون بالهجرة إلى مكان آمن إذا لم تعد الظروف في بلدانهم تسمح بالحياة فيها، خاصة في حالة عدم تمكنهم من ممارسة شعائر دينهم؛ ولكن الهجرة مذمومة إذا كان المسلم يقيم بأمن وأمان في بلد إسلامي. ثم أجرى الشيخ الزحيلي مقارنة بين مبادئ واتفاقيات حقوق الإنسان الغربية، وأشار إلى العديد من أوجه الشبه في حقوق المهاجرين والتزامات الدول فيما يخص المهاجرين واللاجئين على حد سواء.
وتحدث الأستاذ الدكتور الشيخ الكيلاني بالتفصيل عن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، مشيرا إلى كونها كثيرة التركيز على الغرب وغير عادلة في انتقادها "لتجارب الأمم الأخرى بصفتها معادية لحقوق الإنسان" بدلاً من الاستفادة منها. فعلى سبيل المثال، تخفق التحفظات الموجهة للدول الإسلامية حول قضايا الجنسين في استيعاب أن المهر (وهو بمثابة إقرار حقوق مالية تسبق الزواج يمنحها الرجل للمرأة) يُفهم خطأ على أنه "سعر المرأة ونوع من العبودية". وأشار أيضًا إلى التفرقة بين الجنسين في الإسلام على مستوى قانون الأحوال الشخصية، حيث يسمح القانون للرجل بمنح الجنسية لزوجاته وأطفاله، ولا يسمح للمرأة بذلك. ولكن الإسلام يمنح الحق في اللجوء والجنسية باعتباره حقًا فرديًا يجب أن يتخطى سيادة الدولة. واستشهادًا بالعديد من حالات إعتاق العبيد في الفقه الإسلامي، ألمح الشيخ الكيلاني أنه على الرغم من عدم قانونية العبودية، توجد أحكام لعودتها في الحرب الرسمية، وعلى الشريعة والاتفاقيات الدولية منع حدوث ذلك. وقدم كذلك نصًّا لخطابٍ مثيرٍ لكثيرٍ من الاهتمام موجّه من أمير حسين، رئيس المجلس البلدي لمدينة تونس عام 1845، إلى الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن عبر القنصل العام الأمريكي في تونس، ويشرح فيه البُغض الإسلامي للعبودية.
وقدّمت الدكتورة لطيفة رضا نظرة عامة على المنهج الاجتماعي الأخلاقي للهجرة في التقاليد الإسلامية، بما في ذلك السياقات التاريخية للهجرة وأثر العهود أو الاتفاقيات التي كان لها دور أساسي في كفالة حقوق المهاجرين ومزاياهم من حيث العلاقات الاقتصادية والأخوية بين المجتمعات المُستقبِلة وتلك المهاجرة. وقالت إن الهجرة يجب أن تُفهم في سياق الظلم لكونه الدافع للهجرة. وهنا يزيد التوتر حول التفسير الاجتماعي والاقتصادي للهجرة في القرنين التاسع عشر والعشرين بين الهجرة الطوعية والهرب من الاضطهاد بحثًا عن اللجوء. وطرحت الدكتورة لطيفة في مقاربتها للهجرة فكرة هامة هي الرحلة في القرون الوسطى للإسلام، وهي "السفر بحثًا عن المعرفة" أو الهجرة من أجل التعليم والتحسين العام لظروف المعيشة. وكان الاهتمام الذي وجهه علماء الدين والسلطات لهذه الفكرة هامًا لاعتبارات هجرة المسلمين المعاصرين من أجل التعليم والعمل في البلدان الغربية.
وقدّم الأستاذ الدكتور جواد سيد تحليلاً تجريبيًا أكثر معاصرة لعاملات المنازل المهاجرات في قطر مستخدمًا فكرة "المنظور التقاطعي" الذي يراعي عوامل متعددة للهوية، من ضمنها النوع والعنصر والانتماء العرقي والدين والوظيفة والمهارة وما إلى ذلك. وركز عرضه على قضايا حقوق الإنسان والعمل فيما يخص حرية الحركة وعدم حماية العمل المنزلي بسبب استبعاده من قانون العمل، ضاربًا أمثلة بحالاتٍ وردت في تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية. وفي هذا السياق، قِيل بحدوث انتهاكات لمبادئ الإسلام التي تحض على التكافؤ والعدالة في التعامل مع العاملين (باستخدام مفهوم الأمان)، خاصة في ظل المساندة الإضافية للنساء والأطفال، مع بروز الحاجة لإصلاح جاد.
وفي اليوم الثاني، أشار الأستاذ الدكتور الشيخ القره داغي إلى "صحيفة المدينة" قائلاً إنها أول دستور يكفل الحق في المواطنة للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء. وقال متحدثًا عن الإسلام وحقوق العمل إن الإسلام على خلاف الرأسمالية والشيوعية يسعى لتوازن سليم بين أصحاب العمل والموظفين. وتعاطيًا مع قضايا معاصرة تمسّ العمال المهاجرين في دول الخليج، تم تقديم أدلة تثبت حضّ السنة النبوية على دفع رواتب مناسبة وفي موعدها، ووجود التزامات عامة للعدالة، مع التركيز بشكل خاص على الالتزام بحقوق العقود وواجباتها. وطرح في هذا المجال عدة أمثلة من الحديث النبوي. وفي هذا الإطار، أكد الشيخ القره داغي على الحاجة لإعادة النظر في الممارسات المعاصرة للتعامل مع العمال الأجانب "في ضوء الأخلاق الإسلامية وسيرة الرسول... مع توضيح حق المجتمع والأمة والدين." وعمليًا، "يتعين على وزارة الأوقاف التعاون بتوجيه الأئمة لتناول حقوق العمال وواجبات أصحاب العمل نحو العمال والمجتمع في خطبهم." وتقبَّل وجود فروقات بين الجنسين، مستشهدًا بدراسات أظهرت "ممارسات غير أخلاقية" في سوء معاملة الخادمات تنعكس سلبًا على "العادات والقيم التقليدية" لدى الأسر المسلمة، والتي بدورها قد "تؤثر على تعامل هذه الأسر مع الأطفال والآخرين".
وتناول الأستاذ الدكتور الشيخ عبد السلام بلاجي في بحثه موضوع الهجرة واللجوء باعتبارهما يعبّران عن الحاجة للاستقرار، قائلاّ إن الإسلام سمح بالهجرة من حيث كونها بوابة للحصول على ظروف معيشية أفضل. وأشار إلى ممارسة بعض أصحاب العمل الذين يعتقدون أنهم "يمتلكون" العمال لاستغلالهم بأشكال من القهر والاتجار بالبشر، على الرغم من عدم كونها "عبودية" بالمعنى المعروف للكلمة. وقال إن "على الدول الإسلامية فرض قوانين عمل مستمدة من أحكام الشريعة ومقاصدها، آخذين في اعتبارهم الاتفاقيات الدولية وتطبيقها على حالات العمال الأجانب في الخليج". واستشهادًا بالتحفظات الإسلامية "الإيجابية" حول الاتفاقيات الدولية، دافع الشيخ بلاجي عن "تفوق القوانين الأسرية في الدول الإسلامية من حيث تقديم المهر عند الزواج ورعاية الأطفال والنفقة" بصفتها نماذج للقانون الدولي. وأشار إلى كون حقوق الأجانب في ممارسة دينهم وبناء الأماكن المخصصة للعبادة "مقبولة من أقليّة من علماء الدين، بينما لا يزال أغلبهم لا يسمحون بها". ومن بين عدة اقتراحات، دعى الشيخ بلاجي إلى مراجعة الفقه لتحرير الفتاوى من التقاليد السلبية والحثّ على التغيير الثقافي المناهض للممارسات الاجتماعية السلبية التي كثيرًا ما تُنسب إلى الإسلام "على الرغم من تعارضها مع أحكام الشريعة ومقاصدها النبيلة".
وتناولت الدكتورة أماني الجاك المعضلات النظرية والسياسية للعمال المهاجرين في دول الخليج. وذكرت أن الأحكام الدولية لحقوق الإنسان تميل إلى تفضيل الحقوق المدنية والسياسية على حساب حماية الحقوق الاجتماعية والدينية والثقافية. في حين تناصر منظمة العمل الدولية حقوق العمال المهاجرين، إلا أن هذه القوانين تجنح إلى الرمزية وتفتقد القدرة على توفير حماية حقيقية لحقوق العمال. واعتمادًا على بحوثها في قطر، أشارت الدكتورة الجاك إلى إفشاء تصرفات المواطنين لمخاوف عميقة بخصوص العمال المهاجرين وأثرها على الممارسات الثقافية، مما يظهر في كراهية الأجانب والتصورات السلبية عن غير المسلمين. وأوصت بتخطي الحوارات بين رجال الدين وصناع السياسات لسوء أوضاع العمل والسكن، بحيث تتناول بشكل أكبر تصورات المواطنين، وذلك من أجل ازدياد تركيز إصلاحات العمالة المهاجرة على الفضائل الإسلامية مثل القبول والتسامح والحريات الدينية.
وقدمت السيدة زهرة بابار تحليلاً مفصلاً لحقوق المهاجرين وحقوق الإنسان في الإسلام كما تطبق في قطر والإمارات. ومن منظور إصلاح السياسات والإصلاح السياسي، ذُكِر أن استخدام النصوص الإسلامية يوفر منهجًا أكثر ارتباطًا للتعامل مع أصحاب المصالح المحليين بخصوص هجرة العمالة. وعلى نفس الدرجة من الأهمية، يقال إن مواطني الخليج لا يتمتعون كذلك بحقوق سياسية ومدنية كاملة لأنها دول سلطوية مُؤجِّرة، على الرغم من تلقي المواطنين لمزايا اقتصادية ومعيشية عبر التوظيف في القطاع العام. وعلى الرغم من وجود أدبيات إسلامية ضخمة عن حقوق الإنسان والتعامل مع طالبي اللجوء (معظمها عبر تفسير الهجرة)، إلا أنها تكاد تكون منعدمة لمّا يتعلق الأمر بالعمالة المهاجرة. واستنادًا إلى كتاب المودودي، حاججت المتحدثة أن "مبادئ الاقتصاد الإسلامي كما تطبق في دول مجلس التعاون الخليجي حاسمة في وضع العمال المهاجرين ضمن جميع من ينتمون إلى النظام الاقتصادي بأكمله ويساهمون فيه، كما تتفادى هذه المبادئ التناقضات والخلط بين فئات المهاجرين والمواطنين، التي توجد حاليًا. ويلتزم النظام الاقتصادي الإسلامي بالعمل في تناغم مع أسس أخلاقية عميقة تكفل الحق في تساوي الفرص للفرد من أجل حياة ناجحة عن طريق التوجيه الإلهي، كما تحافظ على العدالة الاجتماعية لجميع الأطراف".
وقدّم الدكتور عبد الغفار موغال والدكتور العربي صديقي (لم يستطع الحضور) نظرة تاريخية من الإمبراطوريتين العثمانية والمغولية لإلقاء بعض الضوء على دور رواد الأعمال الأجانب وأوضاعهم الاستثنائية في دول مجلس التعاون الخليجي. وعبر الفكرة الإسلامية للمعاهدات أو "الامتيازات الأجنبية"، مَنَحَت قواعد مملوكية وعثمانية متعاقبة مزايا للأوروبيين من أجل الإقامة والتجارة في الدول الإسلامية. وتطور ذلك إلى نظام الحماية الذي قامت بموجبه السفارات الأوروبية بإسباغ الحصانة الدبلوماسية ومزايا خاصة أخرى بشكل غير شرعي على أعداد متنامية من التجار العثمانيين غير المسلمين، متعللة بمبدأ الضرورة الشرعي ومقترحة انتشار المرونة والتعددية القانونية.
وخُصِّصَ اليوم الثالث لإلقاء نظرة عامة وإجراء المزيد من المناقشات المفصلة، بما في ذلك نقاط ضعف العروض والمناقشات التي تمت في اليومين السابقين. ومن بين ما تم تسجيله في هذه المناقشات، وجود جذب وتوتر في النصوص والتفسيرات الإسلامية من حيث عدم التفرقة بين الهجرة المؤقتة والهجرة الدائمة، ويتضمن ذلك أحيانا لجوء اللاجئين، وهو ما يثير المشاكل فيما يخص العمالة الأجنبية المؤقتة في الدول الخليجية. وأشار الشيخ القره داغي خلال النقاشات إلى استخدام كلمة المُهَجَّرين أو ضحايا العنف والاستبداد والاضطهاد، والحاجة للتمييز بين العمال المهاجرين والهجرة من أجل التعليم والسفر. وأن ذلك يبرز الحاجة لتفعيل مبدأ المشاركة العامة والأخوّة من أجل توفير الحرية والحماية للجميع. وعلى الرغم من ذلك، فقد تمت بعض النقاشات حول تفضيل المهاجرين المسلمين، خاصة الحق المفترض للمسلمين في السعي للمواطنة والذي لا يطبق عمليًا (الدكتور الزحيلي والدكتورة رضا).
وتَرَكَّز النقاش أيضا حول اللاجئين وطالبي اللجوء، وكذلك النازحين داخليًا استشهادًا باتفاقيات مثل الميثاق العربي لحقوق الإنسان وإعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام الصادر عن منظمة المؤتمر الإسلامي.
واختتمت الندوة بعدد من الملاحظات فمن حيث المناهج الأكاديمية للهجرة، ساد إجماعٌ على وجود مبادئ أخلاقية واضحة في الإسلام حول المهاجرين واللاجئين. وعلى حد قول علماء المسلمين المتخصصين في الشريعة، فإن الدروس المستفادة من الهجرة متسقة من حيث أهمية الالتزامات القاضية بالهجرة هربًا من البلاء، ورعاية المهاجرين الذين يطلبون الأمان في المجتمعات المسلمة. وهنا اتفاق على كون القرآن ضد العبودية على الرغم من عدم ورود ذلك صراحة، بل يفرض الكثير من المناسبات التي توفر فرصًا أمام المسلمين لتحرير العبيد. وعلى الرغم من وجود أمثلة حالية في السودان وموريتانيا، إلا أن الاستشهادات بالظروف المعاصرة للعمال المهاجرين في دول مجلس التعاون الخليجي على سبيل المثال تنطوي على ممارسات شبيهة بالعبودية من منظور التحكم عوضًا عن الملكية. وساد الاتفاق بشأن توفير الإسلام للتوجيهات العامة والمحددة بخصوص التزامات الطرفين وحقوقهما من حيث الدفع (دفع الرواتب المناسبة في موعدها) والمعاملة (توفير المأكل والملبس) ورعاية المسنين بعد تقاعدهم، وذلك على الرغم من الاعتراف بفروقات قوية بين أصحاب العمل والموظفين.
وتضمنت أيضا أكثر القضايا إلحاحًا من حيث الحاجة للمزيد من البحث والنقاش العلمي الممارسات المعاصرة (مثل نظام الكفالة) وموروثه التاريخي، والإمكانية المطروحة لوجود بعض الاستمرارية التاريخية بين المعاملة المعاصرة للعمالة المهاجرة والعبودية، والاستيعاب الأفضل للفروقات بين الجنسين في تجربة الهجرة (مثل تقسيم العمالة على الجنسين وحرية الحركة). ومن حيث التعامل مع تطبيق المبادئ الإسلامية على القضايا المعاصرة، من الصعب التصالح مع الموروث التاريخي، حينها لم تكن توجد حدود واضحة أو دول قومية كما نعرفها اليوم، وكذلك وجود الوطنية والطائفية على الرغم من وجود مبادئ الأخوّة والصداقة. وتبرز الحاجة لمزيد من التحليل عند تطبيق غايات مقاصد الشريعة على قضايا الهجرة، خاصة تلك المتعلقة بالأسرة. وختامًا، يبدو أن الإسلام يفترض أن الهجرة هي هجرة دائمة (مما يثير قضايا المواطنة)، فضلاً عن وجود صعوبات في التمييز بين المهاجرين واللاجئين، وهو تمييز يجب حدوثه بسبب الالتزامات المختلفة طبقًا للاتفاقيات الدولية التي تنطبق عليهم.
إضافة تعليق جديد