
وتتنوع مناهج "بناء" النظرية الأخلاقية الإسلامية، و مناهج قراءة تاريخ العلوم الإسلامية لتكوين "تاريخ" النظرية الأخلاقية الإسلامية. أمّا مناهج بناء نظرية الأخلاق الإسلامية، فيمكن رصد منهجين في بنائها؛ المنهج المرّكب الذي اتّبعه د.دراز، ومنهج محاكاة نسق التصوف الذي اتّبعه د.طه عبد الرحمن. أمّا الأول، فقد ركّب عدّة مناهج ليصل إلى تكوين نظرية أخلاق إسلامية، أولها طرائق المنهج العقلي التي يتبعها الفلاسفة والتي تقوم على (التعريف والتقسيم والبرهنة والاعتراضات والإجابات)، وثانيها المنهج الاستنباطي الذي يقوم على استنباط الفروع من الأصول، حيث استنبط من نصوص القرآن والسنّة معاني وتوجيهات شكّلت أصولاً، ثمّ فرّع على هذه الأصول قواعد ومفاهيم أخلاقيّة، وثالثها، المنهج المقارن النقدي، الذي يقارن مقولات أخلاقيّة غربية بأخرى إسلامية كلامية أو أصوليّة أو فقهية، ناقدًا كلاًّ منها ومفكّكًا ثمّ بانيًا لمقولات جديدة ذات أصل قرآني وحديثي. ورابعها، منهج تفسير القرآن والسنّة، الذي يقرأ القرآن بعين فلسفية تشكك وتسائل ثمّ تطرح على القرآن أسئلتها، فتجد يقينها وجوابها في كليّة القرآن وفي نصوصٍ قد لا ترتبط بالقضية الأخلاقيّة موضع النظر ارتباطًا لغويًّا مباشرًا. وأمّا الثاني، فقد استخدم منهجًا متفردًّا، وهو محاكاة بناء علم التصوف الإسلامي من أجل بناء نظرية أخلاق إسلامية، فعمد د.طه عبد الرحمن إلى مقولات صوفية يصنع منها أركانًا لنظرية أخلاقيّة إسلامية، وهي الميثاق الأول، وشق الصدر، وتحويل القبلة. ثمّ استلهم مفاهيم التصوف وألبسها لباسًا أخلاقيًّا وأسماها أسماءً جديدة، مثل مقايسة المتخلّق على المتصوف، وتحويل القاعدة الصوفية من ضرورة الشيخ للمريد إلى مبدأ اخلاقي أسماه بمبدأ الاقتداء الحي، وتسمية التشبه بأسماء الله الحسنى بمبدأ التخلّق بالصفات الحسنى، وهكذا، حتّى وصل إلى توليد علم أخلاق جديد من رحم علم التصوف القديم. وتختلف مناهج تكوين نظرية الأخلاق الإسلامية عن مناهج قراءة تاريخ النظرية الأخلاقية في الحضارة الإسلامية.
ويتصدّر هذه المناهج، المنهج التحليلي التركيبي، الذي يعيد قراءة علوم الحضارة الإسلامية ويفككها ليجد فيها أسسًا لعلوم أخرى مستحدثة. وهذا المنهج هو ما اتّبعه د. ماجد فخري في كتابه الصادر بالإنجليزية "تاريخ النظريات الأخلاقية في الإسلام" حيث أعاد قراءة تاريخ العلوم الإسلامية بعامّة، ليستخرج منها تاريخ أخلاقٍ نظريّة إسلاميّة تحاكي الأخلاق النظريّة الغربيّة الحديثة المقسمة إلى: الأخلاق الإنجيلية، الأخلاق الثيولوجية، الأخلاق الفلسفية، الأخلاق الدينية. أعاد د. ماجد فخري تقسيم العلوم الإسلامية، لتسير وفق هذا النسق العاصر؛ فاستخرج مقولات المعتزلة والأشاعرة المؤسّسة لأخلاق إسلاميّة وأسماها "الأخلاق الثيولوجيّة" وكذا قرأ مقولات الاتجاه المشائي الإسلامي المتابع للمنقول اليوناني والهللينستي، وأسماها "الأخلاق الفلسفيّة" ثمّ قرأ تكامل العلوم الإسلاميّة في شخص الإمام الغزالي، وأسمى هذا التكامل "الأخلاق الدينية". أمّا الأخلاق المستمدّة من قراءة القرآن والسنّة قراءة "مباشرة، فأسماها "الأخلاق الكتابية" التي تناظر "الأخلاق الإنجيليّة" scriptural morality ، وفي قراءته للقرآن والسنّة استخدم منهج التحليل اللغوي، الذي يبحث في معاني الألفاظ القرآنية المرتبطة ببحث الأخلاق واشتقاقاتها ليصل في النهاية إلى مفهومها الاجتهادي، مثل "البر" و"القسط" و"العدل" وما إليها.
بقي القول، أنّ "الأخلاق النظرية" بتاريخها المتجذر منذ حضارة اليونان، والعابر لكل حضارات العالم والمتكامل حديثًا في شقين: نظري وتطبيقي، يختلف في تاريخه ونشأته ومباحثه عمّا يسمى (فلسفة القيم) والتي نشأت نشأة حديثة من رحم علم الاقتصاد؛ الذي طرح مفهوم "القيمة المضافة". وتشمل فلسفة القيم ثلاثة أنواع: القيم العقلية، والجمالية، والقيم الأخلاقية. فتكون القيم الأخلاقية فرعًا واحدًا عن فلسفة القيم، و لا تتساوى معها بكليتها، ولا تتشابه معها في قضاياها.
إضافة تعليق جديد